أتذكّر دائمًا هذا اليوم. واعذروني، لست من هؤلاء الذين يحتفلون باللغة العربية يومًا واحدًا طيلة العام؛ لأنني – ومِنْ أمثالي كُثُر – لديهم اللغة العربية تستحوذُ على النصيب الأوفر من حياتهم وأوقاتهم، إنهم فئة الكُتَّاب والمُدوّنين. واعتدت رؤية هذا الهاشتاق الشهير في كُلِّ عام، #المحتوى_العربي، أو #بالعربي_أحلى، لكن هذا العام، لاحظت أن الاهتمام يدور حول هاشتاق #بكتب_بالعربي.
جيّد، عبارة جميلة المعنى، لكن ما أَهابَ بي إلى الشروع في كتابة هذا المقال هو ما رأيته بجانب هذا الهاشتاق من كلمات، سواء في منشور أو تعليق أو حتى في تغريدة، ربما ذكّرني ذلك بالمقال السابق عن المحتوى العربي، وهؤلاء الذين يرغبون في تغيير قواعد اللغة العربية لِهَوى في أنفُسِهم! واليوم، لكم منِّى دعوة لكل من يستخدم الهاشتاق المذكور كي يُصَحِّحَ مساره في الكتابة على الإنترنت، وألَّا يعتبر أن #بكتب_ بالعربي هو هاشتاق اليوم الواحد، فقط!
بكتب بالعربي .. بالعامية!
أكبر عامل يجعلنا نتوهّم الخطأ صحيحًا والغلط صوابًا هي اللغة العامية. وذلك بعد خلط الفصيح والمُحرَّف وقليل من الألفاظ المُرتَجلة داخل بلاد العرب. تلك الفاجعة الكبرى من الكلمات الدخيلة المُعرَّبة عن اللغات الأجنبية؛ فاندسَّتْ في لهجاتنا العامية متشابكة لتشيع بين جميع الناطقين بالضاد.
المشكلة الحقيقية هذا المزاح – السخيف – الذي نراه من البعض ما إذا شاهدكم تتحدثون باللغة العربية صوتًا أو كتابة؛ ليقول المازح “كيف حالك يا بن العمَّ؟” أو “لنأخذ من كلِّ رجل قبيلة!”. طيّب، سؤالي فقط، ما المضحك في ذلك؟
المشكلة أن الاعلام تناول اللغة العربية أنها إما لغة كتب – فقط -، أو لغة نشرات إخبارية – فقط -، أو لغة أفلام عربية تسرد التاريخ الإسلامي بِكُلِّ زيف – فقط! -.
وبالتالي، فإنك إذا تحدثت باللغة العربية كتابة أو نطقًا أمام أحد هؤلاء؛ اندَهَشَ منك متسائلًا “لماذا تتحدث مثل كفار قريش؟!”. هلَّا اخبرتموني الآن على من يقع اللوم؟
بكتب بالعربي .. وتشخيص المشكلة
أيًّا كانت شخصيتك أو مكانتك أيها المُلام وأقصى ما تستطيع فعله هو كتابة “بكتب بالعربي” فقط، اعلم أن حلَّ هذه المشكلة يبدأ من تشخيصها، وهو أنك من شدة تمكُّن العامية منك أوشكت أن تعتبرها الآلة الوضعية الوحيدة للتخاطُبِ والتفاهم. وبدوْرك، تنقل هذه العدوى لأبنائك، وتحشو آذانهم وتملء ألسنتهم لتجدنَّها شاغلةً أذهانهم، تجري على أقلامهم.
لا ضرر أن تتنزَّلَ إلى البعض بلغتهم حتى يفهموا مقصدك، لكن أن تتمكَّنَ منك العامية كل التمكُّن منذ الصغر، راسخة في ألواح ذهنك؛ فإن هذا الرسوخ من أكبر الأسباب التي تُصعِّب عليك تحصيل اللغة الفصحى، وربما يصل بك الأمر أن يُخيَّل إليك وأنت تتعلمها أنك تتعلم لغة أجنبية.
وعلاج هذه المشكلة سأذكره قُرب نهاية المقال إن شاء الله.
بكتب بالعربي .. ولا أنطقه!
مِنَ المُخْجِل أن نجد شخص ما حصل على الدكتوراة، أو على أعلى شهادات اللغة الإنجليزية، وشَغَلَ منصبًا هامًّا، نجده يخبرنا إنه “بكتب بالعربي” وعند تلاوة القرآن، أو ذكر الأحاديث، أو حتى عندما يقرأ الصحيفة! فيخرج من فمه عباراتٍ كالصخر! كلمات تذكرنا بالأعاجم عندما يتحدثون بلغة الضاد.
ولإهمال اللغة واللحن في الكلام أسباب كثيرة ليس هنا محل بسطها واستيفاء الكلام عليها، لكن تظلّ آثاره ظاهرة. وإليكم هذا الأثر عن فاروق الأمة – عمر بن الخطاب – رضي الله عنه عندما مرّ بقوم يرمون النبال ويخطئون في رميهم. فقال: “ما أسوأ رميكم. فقالوا: يا أمير المؤمنين نحن قوم متعلمين (وكان عليهم أن يقولوا: نحن قوم متعلمون، كما هو واضح) فقال الفاروق عمر: “والله لخطؤكم في لسانكم أشدّ عليّ من خطئكم في رميكم”.
بكتب بالعربي .. وأكره النَّحو
كان لابُدّ من الإشارةِ إلى أن مِنَ الظُّلم تحميلَ النحو وحده مسؤولية هبوط المستوى اللغوي بين العرب والمتعلمين من أبناءنا. بل يُشارك في المسؤولية كُتّاب المناهج الدراسية وتقاعسهم عن إيلاء مادة اللغة العربية ما تستحقه من الاهتمام والرعاية والوقت الكافي في البرامج التي يُلزِمُونَ النشءَ بها.
حلول ونصائح لكل ما سبق
طالما رغبت في كتابة هاشتاق “بكتب بالعربي”؛ فأنت على استعداد لتقويم كلّ ما سبق ذكره من مشاكل. وما سأذكره لكم الآن مفاتيح حقيقية قادرة – بإذن الله – على تغيير ما لديكم من مشاكل مع اللغة، وتصلح لكافة المبتدئين الراغبين في أن يبرُّوا لغتهم الأم.
للأفراد
لتصحيح اللغة بشكل عام: تعلَّم أحكام تلاوة القرآن في أحد المراكز أو تحت يد متخصص مُتْقن، ولا تقل “سأتعلمها وحدي عن طريق الإنترنت” إلا إذا انقطعت بك السُّبُل؛ وإلا فلا. بجانب ذلك، اقرأ كل يوم حديث من البخاري ومُسلِم؛ على أن تكون طبعة الكتاب مُشكلة – أي بالتشكيل -.
لتصحيح اللغة من حيث النطق وإثراء المعاني والألفاظ: اقرأ كل يوم من كتاب الأدب لابن المبرّد – سردًا – نحو 15 دقيقة، ولا عيك فهم المقروء، وإنما هو تدريب اللسان؛ مما يكسبه المفردات المذكورة شيئًا فشيئًا بصورةٍ تلقائية.
لترسيخ حبّ اللغة ومعرفة تاريخها وأشهر أئمتها: اقرأ عن: أبو الأسود الدؤلي، وسيبويهِ، والخليل بن أحمد، والأخفش، والكسائيّ، والمبرِّد، وثعلب، والفرّاء، وابن دُرَيْد.
لتحسين النحو والصرف: اقرأ كتاب “ملخص قواعد اللغة العربية” تأليف فؤاد نعمة.
لتحسين القدرة على الإملاء والكتابة السليمة: اقرأ كتاب “قواعد الإملاء في عشرة دروس سهلة” للدكتور فهمي النجار.
نصيحة: اقرأ عن فضل اللغة العربية وأقوال المتقدمين والمتأخرين فيها.
نصيحة: رجاءً لا تضيّع وقتك بقراءة ما لا يفيدك، على غرار “10 أشياء للسفر على المريخ!” أو “10 أفلام لابد من مشاهدتها”…الخ. كل ذلك يُخدّر العقل عن التفكير السليم، ويُبقيه في دائرة “الخيبة!”.
للشركات و المؤسسات و المواقع
إلى كل من قوقل ومايكروسوفت وسامسونج والمجموعات الإعلامية الكبرى التي تهتم بالمحتوى العربي، لديّ اقتراح لإثراء اللغة العربية بطريقة غير مسبوقة على الإنترنت، ما رأيكم بعقدِ مُسابقة “بكتب بالعربي” في كل عام للمحتوى العربي؟
شروط مسابقة “بكتب بالعربي”
على سبيل المثال، من شروط المسابقة أن يتكون فريق العمل من مصمم ومطور وعدد (..) من الكتاب ومسوّق محتوى. ويُطلَبُ منهم إعداد وتجهيز فكرة موقع بشعاره ومقالات المحتوى وكذلك صفحات شبكاته الاجتماعية. وعليكم – كشركات – توفير النطاقات، والاستضافة، والقدرة على عمل إعلانات على الشبكات الاجتماعية، لكافة المُشاركين.
بعدها تأتي تفاصيل المُسابقة، وهي باختصار أنه خلال يوم واحد – 24 ساعة – فقط، يقوم الفريق بتركيب الموقع – على أي مدونة يُفضّلونها -، والشعار، وإضافة المحتوى المُجَهّز، ونشره على الشبكات الاجتماعية، وتسويقها بالإعلانات وغيرها.
وعند نهاية الفترة المحددة، سيتم اعتماد الفائز/ين بحسب عدّة معايير من حيث الجودة والانتشار وغيرها من الأمور. النتيجة هي مواقع وأفكار رائعة تُسهم في إثراء المحتوى العربي. هذه مجرد فكرة قابلة للتنفيذ، لكن متى ذلك؟ حقًا لا أدري.
وختامًا..
اللغة العربية هي السِّمَة المُمَيِّزَة للعَرَبِ عامة وللمُسْلِمِينَ خاصّة. يكفي أنها لغة القرآن الكريم. وأنها الصِّلة بين العرب – كل العرب – فِكْرًا وشعورًا. وأنها رباط الوحدة الدائم بين الناطقين بها إذا انحلَّت كلّ العُرَى وتقطَّعت الحبال. والإقبال على تفهمها من الديانة، إذ هي أداة العلم، ومفتاح التفقُّه في الدين، وسبب إصلاح المعاش والمعاد.
وتذكَّرُوا مقولة الشافعي – رحمه الله – حين قال: “ما جهِل الناسُ، ولا اختلفوا إلا لتركهم لسانَ العرب وميلهم إلى لسانِ أرسطوطاليس“, وتذكرُوا، أنّ “بكتب بالعربي“، هي عبارة فخر حقيقي باللغة العربية، أكثر مِنْ مُجرَّد هاشتاق يُكْتَب.