شاعت في الآونة الأخيرة مقالات وحلقات عديدة تتحدث عن تكلفة جهاز الآيفون من آبل وأخرى عن تكلفة جهاز الجلكسي إس Galaxy S من سامسونج، وغيرها الكثير من التداولات حول التكلفة الحقيقة لهذه الأجهزة الشهيرة والمنتشرة، إلا أن المقالة في واقع الأمر لن تذهب في هذا المذهب للدفاع عن كبرى الشركات هذه وأجهزتها، إنما للوقوف على ماهية وحقيقة هذه الفكرة والطرح الذي أخذ في الانتشار على ألسنة العامة وبات أشبه بعقيدة فكرية تعمم على كافة الأجهزة وعمليات الشراء والتقييم.
علامة استفهام
الآن؛ بسؤال واحد مباشر، هل فعلاً التكلفة الحقيقة المزعومة لتلك الأجهزة بصحيحة؟ بكلمة واحدة؛ نعم، هي صحيحة. ولكن!
التكلفة الحقيقية
الكلفة "الحقيقية" كما يشيرون ليست بحقيقة بادىء الرأي، لكن لنتفق على هذا الإصطلاح، وأنا في المقابل سأصطلح على مفهوم الكلفة "الفعلية" للتمييز بينها وبين التكلفة "الحقيقة" المزعومة.
إذاً؛ في البداية ما هي التكلفة الحقيقية وفقاً لذلك الزعم؟ بكل بساطة، هي مجموع تكلفة قطع الجهاز واحدة بواحدة أو مجموع تكاليف عناصره المادية الملموسة بتعبير آخر. على سبيل المثال؛ لدينا الجهاز A، مكون من شاشة بقيمة 100 دولار، وبطارية بقيمة 50 دولار، وهيكل بقيمة 70 دولار. إذاً فإن تكلفة هذا الجهاز A الحقيقية قد بلغت 220 دولار.
التكلفة الفعلية
الآن لنتحدث عن التكلفة الفعلية التي اصطلحنا عليها، وهي علاوة على أنها ثقافة تقنية بالدرجة الأولى إلا أنها تشكل درساً وملحوظة أساسية للمهتمين بريادة الأعمال والمبتدئين في عالم التسويق الرقمي والمبيعات، حيث في واقع الأمر، لا شيء يسير في الحياة بهذا الشكل المستقيم، وبخاصة داخل الشركات أو المشاريع لن يتم حساب أي شيء بهذه المكونات والقطع البسيطة. فهي في نهاية المطاف حقيقة غالباً ما تشكل المكونات المادية هذه أقل جزء في عناصر تكلفة أي منتج داخل الشركات، وهذا ما يجب أساساً لإفساح المجال للتكاليف الأخرى التي ستكون مهمتهاً إخراج المنتج من غياهب وظلمات مستودعات الشركة إلى أنوار الوجود. لنتعرف على بعضها.
البحث والتطوير
إن البحث والتطوير المعروف بعمليات أو قسم الـ "Research and Development" يبقى لها نصيب الأسد في المنتجات العصرية والإبتكارية مثل الأجهزة الذكية المتجددة كل عام، على غرار آيفون وجلكسي S، فأنت في واقع الأمر لا تدفع لسامسونج وآبل لقاء قطع معدنية مجمعة من رفوف المستودعات والمتاجر ومن ثم تم تجميعها في مصانعهم، إنما تدفع لقاء أعمال البحث والتطوير التي تعمل عليها هذه الشركات ليلاً نهاراً مسخرة كبار المهندسين والأخصائين لإيجاد الحلول التي تتطلع لها كل عام، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإنك الآن من حيث تدري أو لا تدري قد قمت بالدفع لهذه الأعمال مع كل جهاز قمت بشراءه وقد استثمرت جزءًا من مالك في مشروع إخفاء الكاميرا الأمامية من جهازك المستقبلي.
البراند
هل تعتقد بأن أجهزة آيفون وسامسونج على سبيل المثال في موضوعنا هي حقاً أفضل الأجهزة في السوق؟ قد نتهور وننحاز بشكل غير منصف إن سارعنا بالجزم على هذه النقطة بـ "نعم" بكل هذه البساطة! قد يكون ذلك صحيحاً في أوائل العصر الرقمي، ولكن اليوم مع هذه الثورة التكنولوجية فإنه من الصعب الجزم بالإجابة، مع وجود هذا الكم الهائل من المنافسة العالمية وعشرات بل ربما مئات الخيارات والبدائل المنافسة والمطروحة في الأسواق ضمن نفس الفئات والمواصفات وبأداء مقارب أو مضاهي! لذلك فإنك في نهاية المطاف لا تشتري قطعة معدنية وحسب كما تظن إنما تشتري كذلك لصاقة على هذه القطعة تدعى "البراند" وقد كلفة الشركة جهوداً وأموالاً طائلة لصناعتها وإفرازها وتكثيفها في ذهنك، ليس في ذهنك فحسب، بل في ذهن كل من ستقابله في طريقك لتتباهى بجهازك أمامهم! إنك تدفع هنا لقاء مواد + مشاعر ولا تدفع فقط لقاء مواد فحسب.
التكاليف التشغيلية
تختلف من دولة إلى دولة ومن منتج إلى منتج، لكننا نعلم جميعاً بأنك لن تقوم بشراء جهازك من داخل المصنع القابع في أراضي الصين الفسيحة أو من وراء البحار. المنتج الذي بين يديك قد خضع ومر في سلسلة طويلة وعقيمة جداً حقيقة من الاختبارات والفحوصات والرسوم القانونية والحدود الدولية وغير ذلك الكثير حتى وصل إلى قبضة يمينك سالماً كاملاً.
ما أريد بأن أعقب عليه في الختام؛ بأن تلك التكلفة "الحقيقة" بادىء الرأي إنما مجرد حسبة جائرة في واقع الأمر وإن كنا نعلم جميعاً بأن كل شركة هي في نهاية المطاف لن تخرج من هذه السلسلة الطويلة من العمليات والإجراءات إلا بصفتها الرابح الأول، لكننا في نهاية المطاف كذلك لا ندفع لقاء قطع معدنية مجمعة كيفما اجتمعت، إنما ندفع لقاء مفهوم أو كما يسمى "Concept"، فإنك في نهاية المطاف تتبنى مفهوم كاملاً عمل عليه مهندسون من اللاشيء وأبدعوه من على ورقة بيضاء إن جاز التعبير. بدءًا من أعمال التصميم إنتهاءاً بأعمال التصنيع.